بيروت 2/11/2019
الليرة تتراجع، الفقر يتقدم، ما العمل؟
دبت فوضى الاسعار في طول البلاد وعرضها وراح التجار يصطادون بلا رادع. عشرات الاتصالات تنقل يوميا للجمعية، على الخط الساخن، معاناة الناس. من بطاقات التشريج إلى المواد الغذائية والى المحروقات والغاز. الغلاء ينتشر والناس قلقة على الحاضر والمستقبل.
مع بدء الهندسات المالية صيف 2016 ابتدأ الاقتصاد اللبناني يزداد هشاشة واضعا الليرة في مهب الريح. ثلاث سنوات ثمينة ضيعتها السلطة في البحث عن حلول وهمية منها مؤتمر سيدر. رفعت الضرائب والرسوم على الاستهلاك وتفننت في اذلال فقراء الناس والفئات الوسطى بدلا من الذهاب إلى الإصلاحات الاقتصادية والمالية الملحة واهمها: وقف التهرب الضريبي والتهرب الجمركي وتحصيل الرسوم على الاملاك العامة (ونحن نتحدث عن ستة مليارات دولار تقريبا) ووقف النهب المنظم لمالية الدولة وتقاسمها بين العائلات الحاكمة والتحول نحو الاستثمار في القطاعات المنتجة، صناعة وزراعة وتكنولوجيا حديثة وفي البنى التحتية. وحدها هذه يمكنها ان تؤمن عدد كبير من فرص العمل للشباب اليائس العاطل عن العمل.
ثلاث سنوات اصرت خلالها الحكومة على متابعة طريقها الفاشل. ذهبت مجددا الى رفع الفوائد والى هندسات مالية جديدة عمقت الهاوية. وانتهت إلى محاولة بائسة، أقرب إلى المهزلة، هي بيع خدمة الواتساب التي لا تملكها. وابسط الناس يعرف ان هذه الخدمة هي المتنفس الوحيد لحوالي أكثر من اربعة ملايين مشترك اكثريتهم من الفقراء.
اليوم وقعت الواقعة وادخلت السلطة البلاد في ازمة عميقة وخطيرة يمكن التنبئي بنتائجها المعيشية منذ الان: تراجع القوة الشرائية لأكثرية الشعب اللبناني وتفاقم الركود الاقتصادي الحالي وازدياد البطالة والفقر.
شبعت الناس من هذه السياسات الفاسدة والمدمرة فنزلت إلى الشارع. اختفت ادارات السلطة وراء الطرقات المقطوعة وتركت الليرة للمصارف وكبار التجار ليقدموا على الخطوة الاولى: زج الليرة في السوق السوداء لخفض قيمتها فهبطت خلال 10 ايام بحوالي 20%. هناك تجار حملوا الدولار إلى اعلى من 2100 ل.ل. الان ومع استقالة الحكومة هناك من يعمل لأخذ مطالب الناس إلى المجهول. الليرة ستواصل تراجعها على دفعات مما سيدفع بالتضخم وزيادة الاسعار إلى مستويات لم تعرفها البلاد الا ابان الحرب الاهلية.
انهيار الليرة يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع اللبناني خاصة عندما يتيح النظام لكبار أصحاب الاموال الهرب بأموالهم إلى الخارج. السلطة لا تملك اية حلول جدية لهذه الازمة وهي تتعامل معها بإرباك شديد وعلى القطعة وهمها شراء الوقت.
لكن ليس هذا هو المصير المحتوم. يمكن للبنانيين ان يغيروا هذا المستقبل القاتم الان. جمعية المستهلك تتوجه إلى الشعب اللبناني ليستمر في الضغط على السلطة لاتخاذ الاجراءات الاولية الممكنة بانتظار حكومة جديدة تعبر عن تطلعات اللبنانيين:
- اعتماد الفوترة بالليرة في كل المعاملات الرسمية والخاصة وتبدأ بفوترة خدمات الاتصالات بالليرة وفق القوانين. يقول وزير الاتصالات ان مرسوم صادر عن مجلس الوزراء اقر الدولار بدل الليرة. هل يعلم مجلس الوزراء ووزير الاتصالات ان قانون حماية المستهلك الذي نص عام 2005 في المادة 5 و25 منه على الفوترة بالليرة وهو الغى كل القوانين والقرارات السابقة؟ أضف إلى ذلك قانون النقد والتسليف الذي نص على العملة الوطنية. اذن على وزير الاتصالات تطبيق القانون فقط وبدون مراجعة أحد، لا الذهاب الى مرسوم حكومي مخالف للقوانين والتمسك به. هذه ليست خطوة بسيطة فتأثيرها يطال قطاع اقتصادي اساسي و 4 ملايين و800 الف مشترك وهو أيضا سيخفف الضغط على الليرة اللبنانية لتستقر. جمعية المستهلك تتواصل منذ أيام مع وزير الاقتصاد ووزير الاتصالات بهدف تنفيذ القانون والقانون فقط.
- تثبيت أسعار السلع والخدمات على كل الاراضي اللبنانية وفق ارقام أيلول 2019 ولدى وزارة الاقتصاد ودائرة الاحصاء المركزي لوائح كاملة بذلك. هذا الاجراء اتخذته من قبل عشرات الدول التي عرفت هذا النوع من الازمات وهو لا يمس الاقتصاد “الحرّ” واحتكاراته المقدسة. وآن الاوان ان تتدخل الدولة في الحد من هذه الاحتكارات التي تسيطر على كافة قطاعات الاستهلاك مما يسمح بتوفير مليارات الدولارات سنويا. نحن نتحدث عن قطاعات اساسية في النفط والغاز والغذاء والدواء والطيران والاسمنت والسيارات والاتصالات… قلة قليلة ابتلعت، بالتزاوج مع السلطة، معظم ثروات البلاد. نعم لبنان ليس فقيرا بل هو منهوب.
- منع هروب الرساميل فورا تمهيدا لإعادة الاموال المنهوبة إلى الشعب. كل يوم تأخير سيسمح للسياسيين وعائلاتهم ورجال الاعمال الذين يدورون في فلكهم بالهرب خوفا من الازمة وخوفا من المحاسبة التي قد تأتي ذات يوم.
لا زالت السلطة تفكر بنفس العقلية: ودائع، ودائع، والمزيد من الودائع. تريد شراء الوقت لا مراجعة سياساتها. نحن مع مراجعة السياسات. ولعمل ذلك بهدوء دون ضغط التهديدات بهروب الرساميل لا بد من اجراءات رقابية جدية على الرساميل. مصرف لبنان لا يريد ذلك. يقول ان ال«كابيتال كونترول» سيرتّب مخاطر كبيرة تضرب إمكانية تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان لفترة طويلة. لكن لا بأس بترك الامر للمصارف لتمارس الضغط على الزبائن، طبعا كل وفق مقامه! نحن نختلف مع هذا الرأي لأننا لم نرى في هذا التدفق للودائع أي تنمية حقيقية للبلاد منذ 25 سنة. بل تراجع لكل القطاعات المنتجة وارتفاع اسطوري للدين العام وصعود موازي لنظام المحاصصة والفساد.
نعتقد ان اللبنانيون يريدون لبنان اخر: فيه فرص عمل وتعليم وصحة ومواصلات واتصالات حديثة ورخيصة ومياه وكهرباء وغذاء سليم وبيئة نظيفة بلا زبالة وتلوث وسرطانات. الودائع لم تؤمن شيء من هذا. كان يمكن للودائع ان تكون نعمة لكن نظام الفساد حولها إلى نقمة. لذا يمكن لل«كابيتال كونترول» ان يكون مدخلا لسياسات مالية جديدة. ويمكن وضع اليات تدير رؤوس الاموال هذه وفق حجمها لمصلحة اعادة بناء الاقتصاد وفق رؤية جديدة يوافق الشعب اللبناني عليها. أموال سيدر لن تغير شيئا سوى مزيد من الفساد والديون.
حراك الشعب هو فرصة للبنان للخروج من ازماته التاريخية. حافظوا عليه.
جمعية المستهلك-لبنان
شارع منيمنة -الحمراء- لبنان. علم وخبر رقم 104/ أ. د
تلفون: 01750650 consumerslebanon@gmail.com
لا تعليق