خلال اسابيع قليلة اقرت لجنة المزايدة التي أجرتها وزارة الأشغال العامّة لتلزيم مواقف المطار إلى اختيار شركة الخرافي. اما لجنة مناقصة المعاينة الميكانيكية، التي اجرتها وزارة الداخلية، فقد اختارت تجمع شركات، على رأسها شركة SGS، للمعاينة الميكانيكية. في الحالتين أصدر مجلس شورى الدولة قراره بإلغاء النتيجة. في مزايدة مواقف المطار الغيت المزايدة مرتين لعيب في المنافسة. ما جرى ويجري يظهر ان لجان التلزيم لم تلتفت ولو للحظة إلى مصالح الخزينة او مصالح المستهلكين.
في مناقصة المطار تقول احدى الشركات الخاسرة انها كانت ستدخل إلى الخزينة ستة اضعاف ما ستدخله الشركة الرابحة التي تصر وزارة الاشغال في المضي في تلزيمها المواقف بالرغم من قرار مجلس الشورى. في نفس الوقت قرر وزير الاشغال حصر احتكار نقل الواصلين إلى مطار بيروت في عدد محدد من سيارات التاكسي ذا الارتباط السياسي الواضح. تعرفة التاكسي الجديدة هذه بعداداتها تصل إلى ضعف تعرفة لندن او باريس. الخيار الوحيد الباقي يدفع المسافر المنهك الى طلب تاكسي خارجي وجرّ حقائبه حتى موقف المطار ودفع ستة الاف ليرة اضافية يتحملها المستهلكون لأصحاب الموقف! إذن قرر مسؤولون في المطار، وهم وزارة الاشغال ووزارة الداخلية، وبشكل مخالف للقانون، تأسيس احتكار وامتيازات لمجموعة واحدة من التاكسي ومنع باقي سيارات الاجرة اللبنانية من الانطلاق من المطار الا بعد تدفيع المسافرين ضريبة غير مباشرة جديدة لانهم لا يخضعون لهذا الاحتكار. كل مطارات العالم تفتح مطاراتها أمام كل سيارات التاكسي وهي تترك لها حق الوقوف مجانا لمدة ربع او نصف ساعة في مواقف خاصة لها. كذلك لا يجب ان ننسى قضية السوق الحرة وتلزيماتها واسعارها. اذن نحن أمام سلسلة متكاملة من الاجراءات تمت بحماية سياسية هدفها ابتزاز المسافرين والامساك بخناقهم. هذه الممارسات ستضيف سببا جديدا لهرب السياح من لبنان. المصالح الخاصة قبل المستهلكين والسياحة والبلاد والعباد.
اما مناقصة المعاينة الميكانيكية فالشركة الفائزة بمبلغ 44 مليون دولار سنويا سترفع كلفة المعاينة الميكانيكية على المستهلكين بنسبة تصل إلى 50% (من 22 دولار سنويا حاليا إلى 33 دولار للسيارات السياحية مثلا). في الوقت الذي اعلنت فيه الشركات المستبعدة ان عرضها وصل إلى نصف هذا المبلغ واقل. أذن اختارت لجنتي التلزيم والخبراء لمناقصة تلزيم محطات المعاينة الميكانيكية العرض الاعلى سعرا.
قرار مجلس شورى الدولة، في 30 آب الماضي، القاضي بوقف تنفيذ هذه المناقصة العمومية يؤكد الخلل الموجود فيها. أن جمعية المستهلك- لبنان ترى في هذه المناقصة ومزايدة مواقف المطار وتأسيس احتكار سيارات التاكسي الجديد ضررا واضحا يطال المستهلكين ويحملهم اعباء اضافية غير مقبولة وغير مبررة في ظل اوضاع اقتصادية متدهورة وبطالة غير مسبوقة. اليس من قيمة، برأي من دبر هذه السلسلة من التلزيمات، لمصالح المواطنين؟ ام انهم الخرفان التي تذبح دائما أمام هياكل السلطة السياسية وشركاتهم الخاصة؟
ان تواطئ القطاع الخاص مع ادارات ومسؤولين فاسدين يتحمل نتائجه دائما المستهلك اللبناني وهو يشكل عبئا هائلا على الفقراء وبقايا الطبقة الوسطى. وهذه النماذج اعلاه تؤكد على ان تخليص الدولة من براثن الاحتكارات السياسية-الطائفية أصبح ضرورة وهدفا لا يجب الحياد عنه. الحل يكمن في الغاء المناقصة المريبة وعودة المعاينة الميكانيكية إلى مسؤولية الدولة كما كان الاتفاق عام 2010. والحل يكمن في الالتزام بقرار مجلس شورى الدولة في مواقف المطار والغاء اجراءات وزير الاشغال بخصوص التاكسي ومنع هذا النوع من الاحتكارات المرتجلة المخالفة للقوانين والوصول إلى صيغة منظمة شبيهة بالمطارات الدولية تحافظ على مصالح المسافرين وعلى امن المطار.
ان الدرس الاساسي الذي يجب ان يتعلمه اللبنانيون من هذه السلسلة من الممارسات هو انها تؤكد ان نظامنا السياسي الذي اسسنا له خلال عقود هو نوع من زواج مصالح بين طبقة سياسية لا تشبع وقطاع خاص ذا شراهة لا حدود لها. اما مقولة المشاريع المشتركة بين الدولة والقطاع الخاص، او PPP، فهي اقرب إلى منهبة يدفع ثمنها المستهلكون والاقتصاد اللبناني المنهك. ان جمعية المستهلك تعتقد ان تعزيز دور الدولة في كل المجالات، والخدماتية منها بشكل خاص، خارج سلطة الطوائف، هو المدخل الوحيد لإخراج البلاد من حالة الخراب التي وصلت اليه. احتكار الدولة على مساوئه يبقى ارحم من شركات الطوائف والفساد.
لذا تؤيد الجمعية تحرك اتحادات نقابات النقل في الشارع في الايام المقبلة وستقوم الجمعية بدورها بالتحرك قضائيا لإسقاط هذه المناقصة والمزايدة في مواقف المطار اضافة إلى قضية احتكار التاكسي لأضرارها بمصالح المستهلكين.
على اللبنانيين ان يصنعوا مستقبلهم بأيديهم وهذا يحتاج للكثير من التضحيات.
بيروت 5 ايلول 2016 جمعية المستهلك – لبنان
لا تعليق