بيروت 6 اذار 2021
من مشهد المتاجر إلى الشارع.
مشهد اليومين الاخيرين من عراك وتدمير في المتاجر، في مدن عديدة، شكل صورة حزينة ومأساوية لكل اللبنانيين. كيف أمكن للبنانيين ان يصلوا إلى هذا الدرك، سألنا البعض. أجبنا ان جمعية المستهلك ترى فيه غضبا من ممارسات التجار ومن يقف وراءهم من سياسي الطوائف ومن سياسات مالية واقتصادية مدمرة. غضبنا ضرورة لأنه الشيء الوحيد الذي من الممكن ان يعوّل عليه. لقد فشلت السلطة لأنها عجزت خلال سنة ونصف عن ايجاد أي حلّ للانهيار. لقد حولت أكثرية اللبنانيين إلى فقراء عندما وصل الحد الادنى الشهري للأجور الى 67 دولارا مما وضع لبنان في مصاف الدول الاكثر فقرا” في العالم. الحلّ الوحيد الذي اعتمدته كان ترك المصارف وكبار التجار يديرون اللعبة. المصارف حجزوا الودائع ونهبوا بين 65 و72% من كل دولار يخرج من المصرف. اما كبار التجار المستوردين والمحتكرين فقد دعمتهم الحكومة، بأشراف سلطة الطوائف، بأكثر من ثماني مليار دولار من اموال الودائع “لدعم” الفقراء فتبخرت الاموال ولم يصل منها إلى هؤلاء الا الفتات وعدد الفقراء يزداد بالآلاف كل يوم.
في نفس الوقت عاد الناس إلى الشارع مجددا لأنهم خائفون من السلطة ومجلسها النيابي والقضاء والقوى الامنية التي رفضت او عجزت عن لعب دورها الطبيعي في وضع خارطة طريق للخروج من الازمة. رفض هؤلاء تحمل أية مسؤولية بما فيها أدارة ابسط شؤون الناس من زبالة وماء وكهرباء وعمل وصحة وتعليم… او حتى تغيير حاكم مصرف لبنان الذي تتوالى فضائحه. انفجار المرفأ قضى بالضربة القاضية على أي امل عند الناس. الان يستفيق الناس على دولار تجاوز العشرة الاف ليرة بفضل الاعيب نفس هؤلاء الحاكمين.
جمعية المستهلك تعمل منذ عقدين من الزمن، لكي يتحول الناس من كتل صماء، طائفية ومذهبية، إلى مواطنين يدافعون عن حقوقهم ومصالحهم. وهي تعمل لكي يتحول الغضب نحو هذا الهدف والا ضاع في دهاليز الطوائف وتشوهاتها الكثيرة وتحول إلى عنف وصراع أهلي كما حدث في السابق، ابان الحرب الاهلية، وكما حدث لدول عديدة أيضا. غضب الناس في اليومين الاخيرين يحمل نفسا جديدا واضحا يحتاج لمراجعة اهم دروس الاشهر الاخيرة وهي:
- انه لا أمل من احزاب الطوائف التي حولتنا إلى قطعان تجري وراء غرائزها، وقد استغل بعض هذه الاحزاب لعبة الشارع اما لضرب الحراك وأما لغسل يداه من تهمة الانتماء إلى هذا المستنقع. لذا ترى جمعية المستهلك ضرورة استبعاد متسلقي الحراك من احزاب السلطة والسفارات وتجار الفرص وتوعية الفقراء الذين يتحركون وراء مشاريع هؤلاء من أجل حفنة من الليرات او الوجبات.
- اعلان موقف حاسم ضد اقفال الطرقات على الناس المعذبة الراكضة وراء لقمة العيش، واعتبار كل من يقوم بذلك مندسا” وجب ابعاده.
- اما التظاهر في الساحات العامة فمفعوله متواضع ومن الاهم بكثير تركيز التظاهرات حول منازل ومكاتب كبار المسؤولين عن حالتنا اليوم. ونعني بذلك مسؤولي الحكومة والمجلس النيابي والمصارف وكبار الموظفين في كافة الادارات والقضاء ومحتكري القطاع الخاص ومقاوليهم.
- وهنا نحن نرى في الاتهام العام للجميع تحت شعار “كلهن يعني كلهن” خطرا حقيقيا على الانتفاضة لا ينتج عنه الاّ الضرر الكبير. لماذا؟ لان هذا الشعار لا يحمل من العدالة شيئا وهو يضيع الحقيقة ولا يؤدي لمحاسبة أحد في النهاية. اما تحديد المسؤولين الاساسيين ومحاسبتهم فهو المدخل الذي اعتمدته الدول العشر الاساسية التي نجحت في القضاء على الفساد خلال العقود الثلاث الاخيرة (سنغافورة، هونغ كونغ، ماليزيا، الصين، أثيوبيا، تايوان، ساحل العاج، السنغال، رواندا، الرأس الاخضر، بستوانا، السيشل). لقد ادت محاسبة هؤلاء إلى قطع رأس الافعى ونهوض هذه البلدان.
في لبنان نجح زعماء الطوائف ونظامهم في تشكيل نظام فساد واسع وفتاك، صادر كل المؤسسات، بما فيها القضائية والامنية، وسيطر على معظم النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وقد ادى ذلك إلى توريط اكثرية اللبنانيين في متاهات الفساد بطريقة او بأخرى. (مثلا، كم من موظفي القطاع العام والخاص حصلوا على الوظيفة بكفاءتهم وبدون تدخل أية وساطة وعلى حساب مواطنين اخرين غير محظيين؟) هل يمكن محاسبة هؤلاء جميعا؟ الحل الوحيد يكمن في تحديد المسؤولين الرئيسيين وحصارهم ثم معاقبتهم.
لذلك تدعوا جمعية المستهلك كل الغاضبين للتحول إلى الشارع والذهاب إلى محاصرة منازل المسؤولين الرئيسيين ووضعهم قيد الاقامة الجبرية حتى يمثلوا أمام القضاء الذي لا بد ان ينهض، ذات يوم، بعض رجاله ونساءه ليقفوا دفاعا عن حقوق المواطنين وليواجهوا غيلان السلطة وانتشالها من الفساد. ومجددا يجب الفصل، في هذا الحصار، في مسؤوليات هذا الزعيم او ذاك، هذا الوزير او ذاك، هذا النائب او ذاك. المحاسبة تعني العدالة وليس “كلهن يعني كلهن”. النظام الطائفي جرف معظم اللبنانيين. قطع رؤوس الافعى سيفتح افاقا أمام لبنان وامام المنطقة أيضا. الطريق طويل والافاعي تلسع ولا بد من التضحيات.
جمعية المستهلك-لبنان.
لا تعليق