تأسست جمعية المستهلك رسميا عام 2000 ولم تبدأ بمقاربة قضية الخدمات المالية الا عند صدور قانون حماية المستهلك عام 2005 حينها اجرت الجمعية دراسة حول الخدمات المصرفية والتسليف المصرفي شملت 500 عائلة و500 مؤسسة تجارية هدفها التعرف على رأي المستهلكين. ومع انفجار الازمة المالية العالمية أطلقت جمعيات المستهلك في العالم، تحت اشراف منظمة المستهلك الدولية، حملات متتالية لحماية المستهلكين من الكوارث التي دفع ثمنها الاساسي المستهلكون في كل انحاء العالم. وهكذا عقدت الجمعية بمناسبة اليوم العالمي للمستهلك 15/3/2010 مؤتمرا تحت عنوان “المستهلك والمؤسسات المالية” بحضور ومشاركة كل من وزيرة المالية السيدة ريا الحسن والوزير عدنان قصار والوزير فادي عبود. وقد عالجت الندوة مشكلات المستهلكين واقترحت التعاون مع المؤسسات المالية تحت اشراف الهيئة الناظمة للقطاع أي مصرف لبنان الذي غاب عن هذه الندوة. اهم النقاط التي احتاجت للمعالجة كانت ولا زالت مسألة الفوائد وكلفة الخدمات المالية ومعالجة شكاوى المستهلكين وسبل تطوير العلاقة بين القطاع المصرفي والمستهلكين بما فيها ايجاد المنافسة الضرورية بين المؤسسات المالية لتقديم خدمات مالية ذات كلفة مخفضة للمستهلكين اسوة بالكثير من دول العالم.
ومن اجل إطلاق هذا التعاون وجهت الجمعية رسالة الى حاكم مصرف لبنان بتاريخ 18/3/2010 اتبعتها باتصالات متكررة مع حاكمية المصرف من اجل تشكيل لجنة لحل النزاعات واخرها قبل شهرين. كذلك سعت الجمعية الى عقد لقاء مع جمعية المصارف الذي حصل عام 2010 بعد طلبه بثلاثة أشهر وكان الاجتماع اليتيم الوحيد. اما حاكمية مصرف فلم يصلنا أي رد منها حتى تاريخ اليوم.
عام 2012 اجرت الجمعية دراسة حول كلفة تحويل اموال العاملين المهاجرين من لبنان إلى بلدانهم عبر المؤسسات المالية والعبء الذي تشكله بالنسبة إلى اجورهم المنخفضة.
هذا الملخص السريع يشير إلى مقاربة الجمعية لمصالح المستهلكين وسعيها لإيجاد الاطر التي تسمح بتأمين ذلك وفق القانون. لكن للأسف لم تتجاوب المصارف ابدا مع هذا الحرص المتواصل الذي ابدته الجمعية خاصة منذ عام 2010 وقد تعاملت المؤسسات المالية مع اقتراحات الجمعية بإهمال وبفوقية مستمرة، انسحبت على موقف مصرف لبنان الذي أهمل بدوره مقاربة الجمعية واتصالاتها.
ونحن نغتنم الفرصة اليوم لوضع المؤسسات الدولية المشاركة في هذه الندوة والرأي العام اللبناني في حقيقة رؤيتنا لضرورة وعي مصرف لبنان والمؤسسات المالية لأهمية تطبيق التشريعات الحديثة وتعزيز المنافسة في عصر العولمة ودورها في الاستقرار المالي والاقتصادي للبلدان الهشة. نحن نعرف ان الشعور بفائض القوة لدى المؤسسات المالية في لبنان، والذي عبّر عنه أحد مسؤولي الهيئات الاقتصادية بالقول “نحن نُطاع ولا نُطيع”، كان وراء اهمالها للمستهلكين وعدم اعارتها أي اهتمام لاقتراحاتنا طيلة هذه السنوات. والحقيقة هي ان هذا الشعور بالقوة يعتمد على حجم القطاع المصرفي اللبناني الكبير نسبة لبلد صغير مثل لبنان. ويعرف كل اللبنانيين ان دور هذا القطاع يتجاوز بكثير حجم البلد، وان دور لبنان كساحة للصراعات المحلية والاقليمية هو الذي رسم دور هذا القطاع المتضخم. كذلك يعرف كل المتخصصين ان القطاع المالي بالرغم من اهميته هذه الا انه يلعب دورا متواضعا في نمو الاقتصاد اللبناني وتطوره ولا يحسن كثيرا من مستويات البطالة والفقر والهجرة المرتفعة خاصة بين الشباب. بالتأكيد تتحمل الطبقة السياسية المسؤولية الرئيسية عن السياسات الاقتصادية الهشة ونتائجها الاجتماعية المذكورة لأنها اعتمدت في الاساس على رسم هذا الدور للبنان كساحة لصراعات المنطقة وقد اضافت إلى القطاع المالي سوق العقارات والسياحة بديلا للاقتصاد الحقيقي والتنمية البشرية. هذا الدور المالي يستفيد منه قلة قليلة من اللبنانيين وهو للمفارقة يعزز ارتباط مختلف القوى السياسية بالقوى الخارجية حفاظا على دورها وعلى مصالحها وهذه المصالح لا تتطابق بالضرورة مع مصالح اكثرية اللبنانيين. لكن يبقى على عاتق اللبنانيين وقواهم الحية مسؤولية تعديل هذا السياسات والسعي إلى وضع سياسات مستقلة تلائم مصالح اكثرية المجموعات اللبنانية. ولقد اظهر الحراك الشعبي المستمر منذ ثلاثة اشهر حجم غضب ورفض اللبنانيين لهذه السياسات الخطيرة التي تعبث باستقرار البلد وبكل مجموعاته بدون استثناء. نحن لسنا ضد قطاع مالي قوي يؤمن بعض الاستقرار النقدي لكننا لا نعتقد ان حجم الودائع هذا هو الذي يمكن ان يؤمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذا المجتمع الذي يشكو عدم الاستقرار المزمن. ان وضع سياسة اقتصادية متكاملة تنخرط فيها كافة القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الصناعة والزراعة والتكنولوجيا الحديثة هو الضامن الحقيقي للاستقرار وهذا ما ترفضه او تتناساه كل الطبقة السياسية تقريبا.
بعد هذا التوصيف السريع للواقع ترحب جمعية المستهلك بانفتاح القطاع المالي على مؤسسات المجتمع المدني لإعادة بعض التوازن للعلاقة مع المستهلكين. جميع اللبنانيين يعلمون ان القطاع المالي بعلاقاته الحميمة مع السلطات السياسية هو من يفرض شروطه على المستهلكين وان هذه السلطات لن تفعل شيئا لوضع اليات تسمح ببعض التوازن في العلاقة. بل على العكس تماما إذ تعرقل هذه السلطة منذ 10 سنوات صدور المراسيم التطبيقية لقانون حماية المستهلك الذي يرعى العلاقة بين المحترفين والمستهلكين. لقد عزم مصرف لبنان عدة مرات على تشكيل لجنة لحل النزاعات بين المستهلكين والمصارف وكنا دائما نسأل عن مصيرها لكن بدون نتيجة. احدى اسباب العرقلة هو نص القانون في العلاقة التعاقدية مادة 18 على انه “يجب أن تفسر العقود لما فيه مصلحة المستهلك، يؤخذ في الاعتبار، لتحديد مدى توافر رضى المستهلك، ظروف التعاقد والمنافع التي يمنحه إياها العقد والتوازن بين حقوق وموجبات الطرفين.” كذلك لا بد من التذكير برفض القطاع الدائم لأية زيادة ضريبية على الفوائد.
ان الاهداف الطموحة التي حددتها هذه الندوة واهمها الانفتاح ومشاركة الشعب اللبناني تشكل بداية جيدة إذا ما ارتبطت بخطوات عملية تساهم في فتح هذا القطاع بشفافية أمام اللبنانيين. ان تتحدث المؤسسات المالية ووزارة المالية عن حوار وطني حول الشؤون الاقتصادية والمالية والتعاون مع وزارة التربية من اجل نشر المعلومات أمام الطلاب هو هدف جيد أيضا إذا ما ارتبط بإجراءات عميقة تطمئن اللبنانيين إلى انفتاح هذا القطاع ودخوله مجال المنافسة والمسؤولية الاجتماعية. لكن المسؤولية الاساسية في أي برنامج او تطوير تقع على عاتق مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى رأسها وزارتي المالية والاقتصاد التي تتعامل منذ الحرب الاهلية مع القطاع المالي المصرفي بمنطق الطاعة له لما يؤمنه من مصالح للطبقة السياسية. ان دور هاتين الوزارتين اساسي إلى جانب مصرف لبنان كهيئة ناظمة للقطاع في تنظيم الدور والعلاقة وهذا الدور يتجاوز بكثير الدور الحالي المالي لمصرف لبنان.
اما بخصوص المستهلكين فهذه مناسبة لتصحيح الخلل القائم تاريخيا عبر التركيز على الامور التالية:
- تشكيل لجنة لحل النزاعات برئاسة مصرف لبنان وعضوية جمعية المصارف وشركات التأمين وجمعية المستهلك، وللجمعية خبرة في هذا المجال تضعها في تصرف الجهات الثلاث المذكورة.
- تشكيل لجنة ثانية هدفها دراسة سبل تطوير العلاقة بين القطاع المصرفي والمستهلكين وعلى راسها تعزيز المنافسة الحقيقية بين المؤسسات المالية لتقديم خدمات مالية ذات نوعية جيدة ومتطورة وبكلفة منخفضة للمستهلكين ودراسة نسبة الفوائد ومسألة العقود وقضية الشروط التعسفية التي تلجئ اليها بعض المؤسسات المالية. وان جمعية المستهلك مستعدة لإعلام المستهلكين عبر وسائل الاعلام المتنوعة بالعروض واجراء المقارنات فيما بينها بما يحفز ثقة المستهلكين.
- ان برمجة الاقتصاد والقضايا المالية ضمن المناهج التعليمية هي خطوة ذات اهمية بالغة ومشاركة جمعيات المستهلك في هذا المشروع اساسية لتوازن وجهات النظر ولكيلا يتحول هذا المشروع إلى مشروع اعلاني بحت.
الان تتمنى جمعية المستهلك على المؤسسات المالية وعلى المؤسسات الحكومية، والمعهد المالي بشكل خاص، ان تبادر إلى تحويل هذا اللقاء إلى فرصة لمواكبة التطورات الدولية التي تسعى لتطوير العلاقة بين القطاع المالي والشعوب ومؤسساتها المدنية.
د. زهير برو
بيروت 21/10/2015
لا تعليق