دعم الطوائف تفتيت للبلاد
منذ انطلاق الازمة الاقتصادية والمالية العميقة في 17 تشرين الثاني 2019 غابت مؤسسات الدولة وخاصة الحكومة والمجلس النيابي عن الوجود تاركة الساحة للمصارف وكبار التجار واحزاب الطوائف. وقد ابتدأ بعضها بتوزيع المساعدات، كل في مناطقه الطائفية والحزبية. تجربة المائة عام الاولى من عمر الكيان اثبتت ان اكثرية سكانه لم يتحولوا الى مواطنين لذا كان من “الطبيعي” ان يوكل اللبناني اموره إلى طائفته لا إلى مؤسسات لا تعني له شيئا.
الان دخلت البلاد مرحلة الانهيار الشامل نتيجة ادارة احزاب الطوائف للسلطة بالتقاسم مع المصارف والاحتكارات الكبرى دافعة الجماعات اللبنانية إلى الفقر والفوضى. خلال سنة ونصف كان همها الوحيد فقط الاستيلاء على الودائع واموال الدعم وتهريب ما تستطيع منها إلى الخارج اضافة لتخزين وتهريب بضائع بمليارات الدولارات من اموال الدعم. هذه المقاربة للأزمة تشبه إلى حد بعيد تجربة الحرب الاهلية الكبرى (1975-1991) عندما انعزلت الطوائف في دويلاتها مع حدود ورسوم مالية وجمركية وميليشيا. طبعا لا يمكن لهذا الدعم الطائفي، مهما علا كعبه، ان يؤمن احتياجات المواطنين الاساسية. ربما استطاع ان يؤمن جزء بسيط من الغذاء ولفترات محدودة هدفها امتصاص نقمة ابناء الطائفة. لكن على احزاب الطوائف ان تتنبه إلى استحالة المساواة بين ابناء الطائفة نفسها، وبينها وبين الطوائف الاخرى مما سيعمق الصراعات الاهلية والكراهية، وهي الوصفة المعروفة لعدم الاستقرار والفوضى. ان جمعية المستهلك تخاف من هذه السياسات الانعزالية لأنها ستؤدي حتما إلى اختلالات عميقة في مجتمع مفتت اصلا.
لذلك تدعو جمعية المستهلك هذه الاحزاب، إذا ما تبقى لها بعض الادراك للمصير الاسود الذي حفرته لنا سياساتها، إلى مراجعة ممارساتها هذه والتوجه إلى تحمل مسؤوليتها حيال كل الشعب اللبناني، وعبر الدولة، لا عبر زواريب المذاهب والطوائف:
- عبر وضع كل المواد المخزنة لديها (غذاء، دواء، محروقات، مواد زراعية الخ) تحت ادارة أي مؤسسة من مؤسسات الدولة قبل فوات الاوان. مثل الجيش والبلديات والهيئة العليا للإغاثة بعد تطهيرها من رجس الطائفية والفساد.
- عبر الاعتراف بفشلها في بناء دولة الديمقراطية والعدالة وافساح المجال سلميا لإدارة البلاد أمام عدد كبير من الكفاءات التي تحمل الهموم المشتركة للبنانيين، بدلا من شيطنتها.
- عبر تطبيق الدستور والالغاء الفوري لنظام الطوائف ووضع سياسات اقتصادية مالية جديدة معروفة المواصفات.
صحيح ان الفقر واليأس دفع تاريخيا اللبنانيين إلى التقوقع في بيئاتهم الطائفية والى التناحر فيما بينهم لكن العالم يتغير والوعي ينتشر وأنظمة الكراهية القبلية لن تدوم طويلا. اما الاستناد إلى الصراعات الاقليمية والدولية والاختباء وراءها لنهب واذلال وافقار وتهجير اللبنانيين فهو سينتهي ذات يوم في بحر من العنف والدماء. طبعا لن يستمع هؤلاء إلى صوت العقل بل سيستمرون في الانكار وفي ادارة لعبة السلطة على نفس المنوال. لذلك سنستمر في التنبيه الى ضرورة توجيه البوصلة نحو حصار حلف زعماء السلطة والمال، اعداء لبنان الداخليين، بدلا من دخول اللبنانيين في صراع اهلي قد يدفعهم اليه بعض هؤلاء. اما انتظار التدخل الدولي والاقليمي، بكافة راياته، لينقذنا من براثن شياطين الطوائف، فهو وهم واستسلام لقوى خارجية تسعى لتأمين مصالحها لا أكثر.
من يريد ان يتخلص من شياطينه عليه هو ان يواجههم. الدرب معروف وقد سلكته امم كثيرة قبلنا.
جمعية المستهلك- لبنان
بيروت 10/4/2021
لا تعليق