بعد غياب طويل دام 44 عاما (1978)، اطل علينا الكوليرا مجددا. انه واحد من نتائج الانهيار الكثيرة. وهو نتيجة طبيعية لانهيار البنى التحتية من كهرباء ومياه ومعالجة النفايات من زبالة ومجارير وتراجع سلامة الغذاء وتفكك ادارات الدولة ولفسادها التاريخي المعروف وكلها لم تنشأ مع الانهيار المالي عام 2019 بل سبقته بسنوات طويلة. الان نشاهد ذيول الفيلم الطويل الذي يبدو بلا نهاية.
كوليرا، التهاب الكبد الوبائي، او الطاعون لا شيئ بعد يفاجئنا. مرض الكوليرا هو نتاج تلوث المياه والغذاء بشكل عام. يتميز بسرعة الانتشار والاسهال الحاد الذي يقتل اولا الاطفال والمرضى والكهلة. ينمو دائما في البيئات الفقيرة التي لا تمتلك اليوم القدرة على محاربته عبر الحصول على مياه نظيقة للشرب والاستعمال ايضا. وهذا يسري اليوم على معظم المناطق اللبنانية اسوة بمخيمات اللجوء الفلسطينية والسورية. لماذا؟ لان كلفة التعقيم عبر غلي المياه او الاقراص المعقمة لم تعد الا بمتناول الاغنياء نتيجة لارتفاع اسعار الغاز والمازوت الجنوني. اما في المدن والاحياء الميسورة فلا يجب ان ينام احد على الحرير لان مياه الاستعمال التي تشتريها يوميا البنايات ملوثة كلها تقريبا ومصادرها، من ابار او شبكات مياه الدولة المسروقة، ملوتة او تتلوث بسرعة فائقة. حركة الناس، في بلد من اكثر دول العالم كثافة سكانية، يمكنها ان تلوث هذه المصادر بسرعة خطيرة. بعدها يكفي ان تغسل يديك او خضارك بهذه المياه الملوثة… انها قصة وقت.
في كل الاحوال الحل لا يكمن في الحماية الفردية لان ذلك شبه مستحيل. يكفي ان يناول خادم الزعيم او الملياردير، الاتي من الضواحي الفقيرة او على صلة بها،، كوب الماء او علبة الكلينكس لسيده حتى تحصل المعجزة! الحل الفردي مكلف جدا وغير امن ابدا حتى للأغنياء. الحل الوحيد يكمن في حماية المصادر، اي بكل بساطة عودة المؤسسات الى عملها قبل تحول المرض الى وباء شامل، لتامين الماء والكهرباء ومعالجة النفايات. الباقي ثرثرة.
اليوم يمكننا ان نكرر مشهد الحرب الاهلية التي استمرت 16 سنة والتي عانينا منها الامرين، منتظرين المؤتمرات الدولية لانهائها ونحن نهتف قوة لبنان في ضعفه او عندما رددنا اغنية اعطونا الطفولة اعطونا السلام وتروا ما يدهش العالم. لقد ادهشنا العالم عن جد!
ويمكننا ايضا ان نستفيق وان نحمل المسؤولية في الدفاع عن حقوقنا ونقتنع ان هذه البلاد ليست حكرا لملوك الطوائف وان نسعى لنزع سلطتهم المباشرة او غير المعلنة. ماذا تختار انت في زمن الكوليرا؟
جمعية المستهلك لبنان
لا تعليق