الدواء: نعم أنهم يسرقون أعمارنا
أثار جدول مقارنة أسعار الدواء الصادر عن جمعية المستهلك بتاريخ 3/6/2018 اهتمام الرأي العام والاعلام لما يشكله ذلك من عبأ كبير على اكثرية العائلات اللبنانية التي تدفع الفاتورة الاعلى في العالم العربي. وبدلا من النقاش الجاد لأوضاع القطاع خرج وزير الصحة بمؤتمر صحفي تركز على أتهام الجمعية بتضليل المواطنين وعلى عدد الادوية التي يحتويها الجدول وعلى وقف العمل بدوائيين. وقد أيد بيان نقابة الصيادلة موقف الوزير واصفا بيان الجمعية بالمرتجل وغير الدقيق. لائحة جمعية المستهلك أتت من شكاوى المرضى. لهؤلاء نتوجه بالملاحظات التالية:
- لقد ابتدأت الجمعية حملاتها لإصلاح قطاع الدواء، وهو بنفس أهمية سلامة الغذاء، عام 2005 ولم نرتجلها اليوم كما يقول البعض. بل نحن نملك سياسة متكاملة حول الدواء. لقد عملنا، مع جمعيات المستهلك في العالم، كما ومع منظمة الصحة العالمية، العديد من الحملات سعيا وراء دعم أدوية الجنيريك والحد من الممارسات غير الاخلاقية التي يقوم بها مستوردون وصيادلة وأطباء ومستشفيات. ولقد عملت الجمعية خلال هذه السنوات مع العديد من وسائل الاعلام اللبنانية لكشف هذا الواقع (ومنها صحف الاخبار والسفير والنهار و NTV LBC, Manar,) ولقد أدى التعاون مع وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور إلى تخفيض مهم في أسعار الدواء لم يحصل سابقا. عدد كبير من الادوية هبط سعرها بين 50 و 90%! لكن هذا التعاون طال القشور ولم يغير في الأسس، وتوقف عند الحدود السياسية والاقتصادية التي يسمح بها حكم نظام الطوائف. ولقد سعت الجمعية مع وزير الصحة الحالي مرارا من أجل التعاون لوضع أسس جديدة لعلاج مشكلة الكلفة العالية لأسعار الادوية لكنه رفض لقاء الجمعية.
- ان هدف بيان الجمعية لم يكن وضع مقارنة أسعار شاملة لأسعار الدواء، لآن الجمعية لا تمتلك جيشا من الموظفين، بل تعمل عبر متطوعيها من ذوي الاختصاصات المتعددة، فقط. أن هدفنا الاساسي الاضاءة على إحدى اوجه أزمة الدواء، وكيف يتم تعامل أحزاب الطوائف وأكثرية رجال الاعمال مع هذا القطاع الحساس. وهدف الجمعية دفع البرلمان والحكومة القادمة لكي تجلس إلى طاولة هموم الناس وتنفذ وعودها في محاربة الفساد وتامين حقوق المواطنين الاساسية: حقوقهم في التعليم والصحة ورفع الزبالة ومد شبكة مجارير حديثة وتأمين مياه وغذاء سليم وكهرباء وفرص عمل وقطاع نقل واتصالات حديثة ورخيصة، أسوة بأكثرية بلاد الكرة الارضية. هذه حقوق وليست هبة أو مكرمة من زعيم هذه الطائفة او تلك.
- بالنسبة لجدول الدواء حصرا: تود الجمعية التأكيد ان مصدر الارقام هو لائحة وزارة الصحة اللبنانية الرسمية تاريخ أيار 2018 ولائحة وزارة الصحة الفرنسية الاحدث. هذا الجدول هو مجرد نموذج لعدد كبير من أسعار الادوية التي تمر في أليات تسجيل وتسعير وفوترة وتراخيص معقدة وغير شفافة تؤدي إلى بيع أدوية حتى تسع أضعاف سعر بلد المنشأ كما أظهرت التخفيضات المذكور أعلاه مع الوزير أبو فاعور. وقد طلبنا آنذاك بمحاسبة كل من كان يبيع بهذه الاسعار الخيالية ولم يتم ذلك. كذلك تلجئ الكثير من ادوية الجينيريك –الجنيسية إلى أسماء اصلية، خلافا للقاعدة، لتباع أحيانا بأسعار أعلى من أسعار الدواء الاصلي. أما قول وزير الصحة الحالي أن دواءين لم يعودا موجودين في السوق فلماذا أذن وضعتهما الوزارة على لائحتها الرسمية الاخيرة؟
- أن هدف الجمعية الاساسي هو اصلاح أوضاع هذا القطاع الحيوي وتخفيض فاتورة الدواء الأعلى في العالم العربي، وبين الاعلى في العالم. لذا فهي ستسعى دائما للعمل مع الوزراء المعنيين. ولا بد من أن تضع الحكومة الجديدة سياسة متكاملة للدواء. أسوة بمعظم دول العالم ولتبدأ بالنقاط التالية:
- تشكيل لجنتي تسجيل وتسعير جديدتين على الطريقة المعتمدة في أوروبا لتضم ممثلين عمن يستهلكون ويدفعون ثمن الدواء. وهذا حق لهم. من يدفع يراقب. أي ممثلي الصناديق الضامنة واصحاب الاعمال وممثلي الموظفين والعمال والمستهلكين. اللجنتين الحاليتين التي تقرران كل شيء لا علاقة لهما بشؤون المواطنين وهما المسؤولتين عن هذا الكم من الانحياز على حساب المستهلكين.
- اعتماد سياسة الزامية أدوية الجنيريك وأن تحل مكان الادوية الاصلية في الوصفات الطبية وتوحيد تسعير الجنيريك ووضع آلية واضحة للعلاقة بين الجنيريك والبرند (الدواء الاصلي) لا تؤدي إلى ممارسة سياسة الاغراق والغاء الجينيريك من السوق. كما يحصل حاليا بناء على قرار الوزير الاسبق علي الخليل 1/728 الصادر عام 2013 الذي يلزم الجنيريك أحيانا بتخفيض أسعاره ما دون سعر الكلفة أو الانسحاب من السوق! أذا أنهار الجنريك فكيف سنخفض فاتورة الدواء؟ حجم الجنريك في اوروبا وأميركا وصل إلى حدود 97%. في لبنان لا أرقام دقيقة. تتراوح النسبة بين 7 و25% وفق الروايات المختلفة.
- تحجيم قطاع الدواء الموازي حيث يتبادل مستوردون وصيادلة واطباء ومستشفيات، تحت نظر موظفين عطوفين، العروضات على الادوية (كما الهدايا ورحلات السفر). ويعترف د. ربيع حسونة، نقيب الصيادلة أنذاك، في مقابلة له مع تلفزيون الجديد بتاريخ 24/6/2014 ان العروض ممنوعة لكن كافة شركات الدواء تقدم مثل هذه العروض “ومن يقول عكس ذلك جبلي اياه”. من يدفع ثمن كل ذلك في الاخير؟ المستهلك اللبناني وحده. كل هذا جعل من قطاع الدواء تجارة مربحة جدا ارقامها تتجاوز بكثير جدول تسعير الدواء الرسمي المعلن، وما هو معلن من الحجم الاقتصادي للقطاع.
هل ستقوم الحكومة القادمة ووزير الصحة القادم بواجباتهم بإنتاج سياسة دوائية تحمي المواطنين والاقتصاد الوطني؟؟؟ على اللبنانيين وعلينا ان نتابع العمل على ذلك.
بيروت 22 حزيران 2018
عن جمعية المستهلك-لبنان
رئيس الجمعية د. زهير برو
جمعية المستهلك – لبنان، شارع منيمنة -الحمراء- لبنان. علم وخبر رقم 104/ أ. د
تلفون: 017506500 بريد الكتروني consumerslebanon@gmail.com
لا تعليق